منذ سبعينات القرن الماضي، خضعت ممارسة التأمل وغيرها من وسائل تخفيف التوتر لعدد من الدراسات، بوصفها صنفا من صنوف العلاج الموجهة لحالات الكآبة والقلق.
إلا أن اليوجا وهي واحدة من هذه الوسائل تلقت اهتماما أقل في الأدبيات الطبية، رغم أن شعبيتها قد أخذت في الازدياد بين صفوف الجمهور في السنوات الأخيرة.
وتتراوح ممارسة اليوجا في صفوف تدريباتها، بين الممارسة الرقيقة، والمقبولة، والشديدة المجهدة، والصعبة جدا.
ويعتمد انتقاء الأسلوب على القدرة البدنية لكل شخص وعلى أفضليات رغباته.
وتتكون يوجا الهاذا hatha yoga، وهي النوع الأكثر شيوعا في الولايات المتحدة، من ثلاثة عناصر:
وضعية الجسم التي تسمى asanas، وممارسة عملية التنفس المتحكم به سوية مع وضعية الجسم تلك، ثم طور من الاسترخاء العميق أو التأمل.
وقد كانت غالبية الدراسات التي قيّمت الفوائد العلاجية لليوجا، صغيرة ومصممة بشكل سيئ. إلا أن تحليلات أجريت عام 2004 أظهرت أن عددا متزايدا من الدراسات التي أجريت في العقود الأخيرة كانت من نوع الدراسات التجريبية الجيدة.
وتفترض النتائج المتوفرة أن ممارسة اليوجا قد تقلل من تأثيرات الاستجابة فوق المعتادة للتوتر، كما قد تكون مفيدة في حالات القلق والكآبة.
وفي هذا الجانب، فإن اليوجا تؤدي مهمتها مثلها مثل أي من وسائل التخفيف والتهدئة الأخرى، كالتأمل، الاسترخاء، ممارسة الرياضة، بل وحتى الالتقاء مع الأصدقاء.
تخفيف التوتر
وبخفضها الملموس للتوتر، فإن اليوجا تبدو وكأنها تقوم بتشكيل كل منظومات الاستجابة للتوتر.
وهذا ما يقلل بدوره، من التأهب الفسيولوجي، أي يؤدي، على سبيل المثال، إلى تقليل وتيرة ضربات القلب، خفض ضغط الدم، وتحسين التنفس.
كما أن هناك دلائل على أن ممارسة اليوجا تساعد على تغيير وتيرة عمل القلب، وهذا مؤشر على قدرة الجسم على الاستجابة للتوتر، بمرونة.
كما قدمت دراسة صغيرة، ولكنها محيّرة، نتائج حول تأثيرات اليوجا على استجابة الجسم للتوتر.
ففي عام 2008 قدم باحثون في جامعة يوتاه نتائج أولية لدراسة حول استجابات المشاركين المتنوعة للألم.
ولاحظوا أن الأشخاص الذين كانوا يمتلكون استجابات للتوتر سيئة التنظيم، كانوا أكثر تحسسا بالألم.
وكان ضمن المشاركين 12 شخصا من ممارسي اليوغا الخبيرين بها، و14 شخصا من المصابين بحالة الألم العضلي التليّفي fibromyalgia (وهي حالة يعتبرها الكثير من الباحثين مرضا مرتبطا بالتوتر، ومن خصائصه فرط الحساسية تجاه الألم)، و16 من المتطوعين الأصحاء.
وعندما تعرضت هذه المجموعات الثلاث إلى ضغط مؤلم، بين خفيف وقوي، على أظفر الإصبع، تحسس المصابون بالألم العضلي التليفي ـ كما كان متوقعا ـ أكثر من غيرهم، بالألم عند تعرضهم للضغط الخفيف.
وأظهرت صور المسح بالرنين المغناطيسي لهم، أن نشاط دماغهم قد كان الأعلى في مناطقه المرتبطة بالاستجابة للألم.
وبخلاف ذلك فإن ممارسي اليوجا كانوا من أكثر المتحملين للألم، إذ كانت مناطق الدماغ تلك أقل نشاطا لديهم عند تصويرها بالرنين المغناطيسي.
وتؤكد هذه الدراسة أهمية وسائل مثل اليوجا في مساعدة الإنسان على تنظيم استجاباته للتوتر، وبالنتيجة تنظيم استجاباته للألم.
تحسين المزاج
ولا تزال التساؤلات تدور حول دور اليوجا بالضبط في عمليات تحسين المزاج. إلا أن دلائل أولية تفترض أن فوائدها تماثل فوائد وسائل أخرى مثل التمارين الرياضية والاسترخاء.
وفي دراسة ألمانية نشرت عام 2005، شاركت 24 امرأة من اللواتي وصفن أنفسهن بأنهن «متألمات عاطفيا»، في صفوف لليوجا استغرقت 90 دقيقة، مرتين في الأسبوع على مدى 3 أشهر.
وبالمقابل فقد مارست نساء أخريات وضعن في مجموعة مراقبة، أنشطتهن العادية، وطلب الباحثون منهن البدء بممارسة تمارين رياضية أو برنامج لتقليل التوتر، خلال فترة الدراسة.
ورغم أنه لم يتم تشخيص أي من المشاركات بحالات الكآبة، فإن كلهن كنّ قد مررن بفترة ألم عاطفي لمدة لم تقل عن نصف فترة الـ3 شهور التي سبقت الدراسة.
كما أن نقاط قياسات استجاباتهن للألم كانت أكثر بنقطة واحدة مقارنة بنقاط عموم السكان (وفق مقياس كوهين للتوتر المحسوس Cohen Perceived Stress Scale).
وكذلك في نقاط القلق (وفق مقياس سبيلبيرجر ستايت ـ ترايت لجرد القلق Spielberger State ـ Trait Anxiety Inventory)، ونقاط الكآبة (وفق مقياس حالة المزاج والكآبة Profile of Mood States and the Center for Epidemiological Studies Depression Scale CES ـ D).
وبعد انقضاء فترة 3 أشهر، أفادت النساء في مجموعة اليوجا بظهور تحسن في التوتر المحسوس perceived stress، الكآبة، والقلق، الطاقة، الإجهاد، والوضع الصحي العام.
وتحسنت نقاط درجات الكآبة بنسبة 50 في المائة، والقلق 30 في المائة، والشعور بوضع صحي أفضل بنسبة 61 في المائة.
كما زالت الشكاوى الأولية المتعلقة بالصداع، آلام الظهر، والنوم السيئ كذلك، في الغالب، لدى المشاركات في مجموعة اليوجا أكثر من النساء في مجموعة المراقبة.
وتعرضت دراسة غير مراقبة، بل وصفية، عام 2005 إلى ملاحظة تأثيرات ممارسة اليوجا في صف واحد دخلت فيه نساء مريضات في مستشفى الأمراض العصبية في نيوهامبشير.
وشملت الدراسة 113 امرأة مصابات باضطراب ثنائي القطب، الكآبة القوية، وانفصام الشخصية.
وبعد الانتهاء من الصف، لوحظ أن متوسط مستويات التوتر، القلق، الكآبة، الغضب، العدوانية، والإجهاد قد انخفض بشكل ملموس، وفقا لمقياس حالة المزاج، وهو مقياس يتألف من استبيان يحتوي على 65 بندا تجيب عليها المشاركات قبل التجربة وبعدها.
كما لوحظ أن المشاركات في صفوف إضافية لليوجا ظهرت لديهن علامات إيجابية لفترة قصيرة.
وأظهرت دراسات مراقبة أخرى دور ممارسة اليوجا في تحسين المزاج وفي جودة أو نوعية الحياة لكبار السن، وللأشخاص الذين يؤدون مهمات رعاية المصابين بالعته، ولمرضى سرطان الثدي ومرضى الصرع.
ما بعد الصدمة
وما دامت الدلائل تفترض أن بمقدور اليوجا أن تقلل من تأهب الجهاز العصبي غير القادر على التكيف السريع، فإن الباحثين يستكشفون احتمالات وجود فوائد لليوجا في علاج المصابين بحالات اضطراب توتر ما بعد الصدمة post ـ traumatic stress disorder (PTSD).
وقد اختبرت إحدى دراسات المراقبة العشوائية تأثيرات اليوجا وبرامج التنفس على المحاربين القدماء الاستراليين في فيتنام الذين شخص لديهم توتر ما بعد الصدمة الشديد.
وقد كان المحاربون يتناولون الكحول يوميا بكثرة، ويتناولون دواء واحدا على الأقل من مضادات الاكتئاب. وساهم المشاركون في صف تضمنت نشاطاته ممارسة برنامج التنفس، وضعية الجسم yoga asanas، التوعية حول خفض التوتر، والتأمل تحت الإشراف.
وتم تقييم حالات المشاركين قبل الدراسة وبعدها بتوظيف مقياس ما بعد الصدمة الطبي Clinician Administered PTSD Scale (CAPS).
وبعد ستة أيام من بداية الدراسة قلت النقاط المسجلة بهذا المقياس لدى مجموعة اليوجا والتنفس من 57 في المتوسط (أعراض متوسطة إلى شديدة) إلى 42 (أعراض خفيفة إلى متوسطة). وظلت هذه التحسينات على مدى 6 أشهر من المتابعة. أما مجموعة المراقبة، وكان أفرادها من المحاربين الموضوعين في قائمة الانتظار، فلم يلاحظ عليها أي تحسن.
محاذير ومزايا
وعلى الرغم من أن كثيرا من ممارسات اليوجا آمنة فإن بعضها شديد ومجهد ولذا فلن يكون مناسبا للجميع، وخصوصا لكبار السن أو للمصابين بإعاقة حركية الذين ينبغي عليهم التشاور مع الطبيب قبل إقدامهم على ممارستها.
إلا أنه وللكثير من المرضى الذين يعانون من الكآبة والقلق أو التوتر، فإن اليوجا قد تكون جذابة لتمكينهم من إدارة أعراض حالاتهم. وبالفعل فإن الدراسات العلمية حول اليوجا تظهر أن الصحة البدنية والنفسية ليستا حليفتين فحسب بل إنهما متكافئتان جوهريا، وتزداد الدلائل على أن ممارسة اليوجا هي أسلوب قليل الخطر، كثير الفائدة يهدف إلى تحسين عموم الصحة.
يوجا التنفس العميق .. وفوائدها
نوع اليوجا الذي تتم فيه ممارسة التنفس العميق بعمق يمتد في جذوره إلى اليوجا التقليدية، قد أظهر آمالا واعدة في تخفيف الكآبة.
والبرنامج الذي يطلق عليه «ساندرشان كريّا يوجا» Sudarshan Kriya yoga (SKY) يتضمن عددا من أنواع أنساق أو أنماط التنفس الدوري التي تتراوح بين النمط البطيء والمهدئ، وبين النمط السريع والمحفز.
وقد قارنت إحدى الدراسات فترات امتدت 30 دقيقة من ممارسة يوجا SKY بالعلاج بالصدمات الكهربائية bilateral electroconvulsive therapy والعلاج الثلاثي الدورات بدواء «إميبرامين» imipramine لدى 45 شخصا أدخلوا المستشفى لعلاج الكآبة.
وبعد 4 أسابيع من العلاج خفت الكآبة لدى 93 في المائة من المعالجين بالصدمات الكهربائية و73 في المائة من المعالجين بدواء «إميبرامين» و67 في المائة من ممارسي التنفس العميق.
ودققت دراسة أخرى في تأثيرات يوجا SKY على أعراض الكآبة لدى 60 من الرجال المدمنين على الكحول.
وبعد أسبوع من برنامج لإزالة السموم جرى في مركز للرعاية الصحية النفسية في بنجالور في الهند، تم توزيعهم عشوائيا لتمضية أسبوعين في صفوف يوجا SKY أو في مجموعة مراقبة لعلاج الكحول قياسيا.
وبعد انتهاء فترة الثلاثة أسابيع الكاملة، قلت الدرجات وفق مقياس الكآبة 75 في المائة في مجموعة يوجا SKY بالمقارنة مع نسبة 60 في المائة لدى مجموعة العلاج القياسي.
كما أن مستويات هرمونين للتوتر وهما الكورتيزول cortisol والكورتيكوتروبين corticotropin قلت أيضا لدى مجموعة يوجا SKY، ولكنها لم تقل لدى مجموعة العلاج.
ويفترض الباحثون أن يوجا SKY ربما تكون ذات فوائد علاجية للكآبة خلال الفترات الأولى من علاج الإدمان الكحولي.