:
عندما يقول ( لا ) عندما يجد الأب أو الأم نفسه أو نفسها في موقف حرج مع الابن لا يجدان أسهل من عبارة "ما هذا الجيل!"
هذا الجيل الذي تتعجب منه، هو الجيل الذي ستسأل أنت عن تربيته، فمهما تكن المؤثرات الخارجية، تبقى نهاية الخيط عندك، ومستقر ولدك في أحضانك؛ القيم والمثل والأخلاق التي ستزرعها فيه هي التي ستطفو على السطح في النهاية، فما زرعته ستحصده!
بشكل عام، يمكننا القول أن الطفل المتمرد أصبح "ظاهرة" منتشرة جداً في أواخر القرن الماضي، مستمرة بخط بياني متصاعد إلى يومنا هذا، فما السر وراء تمرد الأطفال؟ هل هناك طفرة مشتركة بين الملايين من البشر لإنجاب "الطفل المتمرد"؟ أم أن الأهل هم المسئولون عن نمو هذه الظاهرة؟
من أسباب تكوين شخصية الطفل المتمرد:·البيئة العائلية: القدوة سيئة! تساءل/ تساءلي، كيف تبدوان في نقاشاتكما، وفي تعاملكما أمام أولادكما؟ هل يفضل أحدكما إتباع أسلوب فرض الرأي، أم هل التسلط طبع متأصل فيه؟ وهل ردة الفعل المقابلة الانصياع أم التمرد؟ وهل يجب أن يرى الأولاد كل هذا أمامهم جهاراً نهاراً؟
نحن لا نريد أن نقلب التكوين الشخصي للآباء بين ليلة وضحاها، على الأقل، إذا كنت تشعر أن طبعك يغلب تصرفاتك، أو أنك لا تحسن إدارة المواقف الحرجة، حاول أن لا يكون ما تقوم به من تصرفات خاطئة أمام أبناءك، ولا حظ أن الطفل مرهف الحس شديد الملاحظة، مرآته لا تزال شفافة لم تعلوها الغباشة بعد...
كما عليك أن لا تنسى أن الطفل يبحث عن قدوته دائماً في أحد والديه، ولا تستهن بكلمة "أنت تتصرف بهذا الشكل!" إذا ما سمعتها من ذلك الغض عندما توبخه على تصرف سيء، هي رسالة واضحة في النقد اللاذع في الواقع، ويبدو أن تعامل بعض، أو معظم، الآباء الخاطئ مع هذا النوع من الرسائل ينبع من شعورهم بلذعة هذا النقد مما لا يليق بمكانتهم كأب أو كأم!
·الكيل بمكيالين: عندما تعاقب أحد أبناءك على تصرف أو سلوك خاطئ، في حين تغض الطرف عن هذا السلوك عندما يصدر عن ابنك الآخر، أنت بهذا تزرع بذور التمرد في طفلك الأول، لأن أول ما سيفعله هو أن يتساءل "لماذا"؟ وعندما لا يجد جواباً مقنعاً لا يجد أفضل من بديل "لا" ، "لا أريد"، "لن أفعل"...ليعبر عن استيائه من الوضع أو حتى عن سخطه!
·منح حرية غير مدروسة: من أسباب التمرد أيضاً ترك الحبل على الغارب. الطفل عندما يبدأ بسلوكياته مع الوسط الخارجي، تكون عينه دائماً على والده أو والدته، وحسب ردة الفعل الصادرة عنهما تجاه السلوك الذي يهم به،فهو إما سيكرره أو يقلع عنه، كأن يحاول قلب الطاولة، كسر الآنية، إيذاء أخيه الصغير، يتشاجر مع أبناء الجيران ، يكيل السباب والشتائم لهم... قد لا يلقي الوالدان بالاً لهذه التصرفات الطائشة الصادرة عن الطفل، أو يغضون الطرف عنها لأنه "مدلل"، أو "كي لا يتعقّد"، أو حتى "لا تُخدش مشاعره". حسناً، إذاً لا تستغرب عجزك عن تقويم سلوكياته عندما تدرك أنه قد أصبح من "الأشقياء" ربما! لا، بل لا تتعجب إذا ما أصبحت أنت مرمى الهدف وأصبح يعاملك بطريقة فظة وغير محترمة بعد فترة من الزمن ! أنت رسخّت لديه بشكل غير مباشر أن ما كان يقوم به أمر مسموح، أو على الأقل غير مستغربَ!
·التوبيخ القاسي: وكما أن الحرية المفرطة أمر خطير ، فإن التوبيخ القاسي غير المبرر أشد خطراً!
مشاعر الطفل من أرهف المشاعر وأكثرها حساسية، عندما يرتكب خطأ هو لا يدرك مدى جسامة هذا الخطأ أو فداحته، لا يميز بين كسر الآنية أو إلقاءها من الشرفة، الأمر عنده سيان.
التوبيخ القاسي يولد عنده شعور بالظلم ولا يؤدي الغرض التربوي أبداً فمشاعره ستنصرف كلياً إلى الطريقة التي عومل بها وليس إلى الخطأ الذي ارتكبه. الصورة التي ستعلق في ذهنه أن والده أو والدته كثير الصراخ سريع الغضب، وقد يجد متعته في إغضابهم أو استثارتهم عن طريق تكرار الخطأ أو ارتكاب كل ما يغضبهم.
·العقوبة لا تتناسب مع حجم الخطأ! عندما يتلق الطفل عقوبة كبيرة على خطأ يراه صغيراً، تبدأ تتساوى في نظره الأخطاء، لأن الانطباع الذي تولد لديه أن العقوبة القاسية في انتظاره سواء كسر الآنية أم ذراع أخيه الصغير، (الاثنان في النهاية كسر)... وتساوي الأخطاء في نظره ينشأ عن شعوره بعدم عدالة العقوبة التي تلقاها على ذلك الذنب الصغير... هذه الأمور من الأمور التي تبقى عالقة في ذهن الطفل وقد تؤثر في شخصيته عندما يكبراً إذا ما تكررت ولم يفكر الآباء في معالجتها.