الولع بالحمية الغذائية مكلف للغاية من الناحيتين المادية والمعنوية، ومما يشاع انه في مقابل كل كتاب ريجيم يطرح في السوق، وهناك امرأة قد جربت وصفاته على أمل أن تتغير حياتها.
للأسف تنتهي التجربة بالفشل الذريع ليبدأ مشوار البحث عن كتاب ينصح بحمية جديدة، لا نتعب ولا نكل رغم أن الغالبية تعرف في قرارة نفسها أن أفضل حمية في التاريخ هي أكل كميات قليلة مطبوخة بطرق صحية مع كثرة الحركة، وليس أدل على ذلك أن أمهاتنا وجداتنا خلال الحرب العالمية الثانية كن أكثر رشاقة منا اليوم.
فالحرب كانت أفضل نظام غذائي، بسبب شح المواد الغذائية وضرورة استعمال ما توفر منها بشكل جيد، فالعديد من العائلات كانت تدخر لكي تستطيع شراء قطعة لحم في آخر يوم من الأسبوع وما تبقى منه يخبز في فطيرة في بداية الأسبوع.
لم تكن هناك وجبات خفيفة بين الوجبات، ولا أطعمة جاهزة متاحة في كل الشوارع، ولم يكن هناك دهون كامنة في الأطعمة، لذا لم تكن مشكلة البدانة مطروحة أساسا.
كما أن الاحتفال بالجمال كان يتمحور حول الشكل الصحي أكثر من النحيف.
ففي أواخر الخمسينيات، مثلا، كانت نجمات من مثيلات أفا غاردنر ومارلين مونرو وصوفيا لورين هن قمة الجمال والقدوة.
لكن أميركا لم تصدر لنا هؤلاء النجمات فحسب، بل صدرت لنا أيضا ريجيم «مايو»، وهو أول ريجيم للتحكم بالسعرات الحرارية، على أساس أن نجمات هوليوود يتبعنه.
كان هذا وحده كافيا لكي يشعل فضول المرأة واهتمامها، بعد فترة اكتشفت أنها حمية يصعب الالتزام بها.
ولكن حتى تلك المرحلة، لم تكن هناك فكرة حول ماهية الطعام الصحي أو غير الصحي، فكل ما كنا نعرفه هو أن أفا جاردنر كانت تتحكم في كمية أوراق الخس وحبات الطماطم التي تتناولها، وأننا يجب أن نفعل مثلها.
لم تكن هناك وصفات محددة للنجاح، وتوالت الحميات الواعدة بالأمل من حساء الكرنب إلى ريجيم أيتكينز وكلها أكدت عدم عمليتها وصعوبتها.
الملاحظ انه مع ظهور هذه الحميات، بما فيها حمية «مايو» ظهرت أطعمة لم تكن مستعملة من قبل مثل الغريب فروت (الذي كان الناس يتناولونه كإفطار)، ولأول مرة منذ الحرب، أصبح بعضها متاحا بشكل أكبر، بما فيها الموز والأسماك، بعد أن كان آباؤنا يكتفون بالبطاطس والخبز واللحم الأحمر واللفت.
ثورة النحافة اكتسبت قوتها مع المظهر الجريء لملابس مصمم الأزياء كريستيان ديور، وما أصبح يعرف في عالم الموضة بـ«دي نيو لوك» الذي يعتمد على التنورة المنفوخة والجاكيت المحدد والخصر النحيل.
ومع ذلك بقي الأمر في حدود المعقول إلى الستينات، أي إلى أن ظهرت عارضة الأزياء الشهيرة تويجي بجسمها الصبياني.
وربما تكون هذه هي بداية الهوس بالحميات كما نعرفها اليوم، كانت تويجي فتاة إعلانات في السادسة عشرة من عمرها، لا يتعدى وزنها 41 كيلو غراما، ومنذ اللحظة التي ظهرت فيها في عام 1966 بعيونها الواسعة وقوامها النحيف على صفحات مجلات الموضة ولوحات الإعلانات، تمنت كل شابة وامرأة أن تتشبه بها.
وفي نفس الوقت، تحولت صناعة الحمية الغذائية التي كانت تتطور بسرعة في أميركا بمعدل متسارع إلى آلة ضخمة لإنتاج النقود، وكانت نهاية فترة الستينيات فعليا هي الوقت الذي أصبح فيه الاهتمام بالحمية والوزن الشغف القومي للنساء، لتبدأ عمليات الحقن الخاصة بالتخسيس، والتي كانت توفرها عيادات معروفة في «هارلي ستريت».
وكانت تلك الحقن عبارة عن مواد تشبه الأمفيتامين تقلل الشهية وتزيد من سرعة عملية التمثيل الغذائي.
توالت بعد ذلك أعداد لا نهائية من الحميات الغذائية التي كانت تأتي غالبا من أميركا واعدة بالحصول على جسم مثالي وعلى السعادة التي يمكن أن يوفرها الوصول إلى مقاس (8) أو أقل.
في السبعينات ظهرت حمية «سكارسديل» كأكثر الحميات التي وصلت إلينا فعالية. وهي حمية تعتمد على الأطعمة الغنية بالبروتين، مع قدر ضئيل من الكربوهيدرات والدهون، وسعرات حرارية يومية محسوبة. بعد التجربة تبين أن لها مضاعفات صحية، ونتج عن هذا الاكتشاف ظهور خطة «ب» في عام 1982، وهي خطة صحية أكثر تعتمد على الأطعمة الغنية بالألياف.
ولكن بعدها بثلاث سنوات، ظهر ريجيم «كامبريديج» الشهير والذي كان يستبدل الوجبات بالمشروبات، إلى جانب نوادي النحافة مثل نادي «مراقبو الوزن» (وايت ووتشرز) التي تقدم النصح والإرشاد وتوفر في الوقت نفسه الدعم الذي تحتاجه الراغبات في إنقاص أوزانهن.
ثم ظهر رجيم «أيتكينز» في عام 1988 ويركز على تناول الأطعمة منخفضة الكاربوهيدرات وعلى إحلال الدهون والبروتين محلها.
وكان اتباع كل من جينفر انستون ورينيه زيلويغير لتلك الحمية، كفيلا بأن يزيد من شعبيتها، إلى أن تبينت مضاعفاتها الصحية وأن ممارساتها لا يطقن الرائحة التي يفرزها جسمهن.
تلتها في نهاية القرن، حمية «جي أي» التي تعتمد على المؤشر الجلاسيمي لسكر الدم الذي يقيس السرعة التي يتم بها هضم الغذاء، ورغم أنها كانت معقدة إلا أن العديد من الذين اتبعوا الإرشادات الموجهة لهم بدقة نجحوا في الحصول على الوزن الذين يريدونه، وبشكل صحي.
إلى جانب هذه الحميات الشهيرة، التي حددت الشكل العام للعقود الأربعة الماضية، كانت هناك العديد من البدع بين فينة وأخرى، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر حمية حساء الكرنب، ونظام الصوم الذي اخترعه شيرلي روس والذي زعم أنه «نظام غذائي دون تحايل ومعتمد طبيا لتحقيق الحمية المثالية»، وبمعنى آخر، كان الكتاب بأكمله مخصصا لتجويع النفس.
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد عدة عقود من المحاولات، ما هي نتيجة كل هذه الحميات؟
والجواب الواضح هو أننا خلال كل هذه العقود، اكتسبنا المزيد من الوزن وربما يرجع ذلك جزئيا إلى الأطعمة الجاهزة والوجبات الخفيفة التي لم تكن متوافرة لأمهاتنا، بالإضافة إلى نمط المعيشة الذي يخلو من الحركة. فالآن عندما تشتري فستانا مقاس 10، فإنه فعليا يعادل مقاس 14 أيام جداتنا.
والأمر طبيعي إلى حد ما في ظل انتشار الأطعمة السريعة بدءا من الهامبرجر إلى الكباب المشبع بالدهون والمشروبات الغازية، مرورا بالوجبات التي يطلق عليها الوجبات «الصحية» الجاهزة والساندويتشات المحشوة بالدهون التي تدفعنا لكي نأكل المزيد والمزيد.
وما يثير السخرية كذلك أنه بعد أكثر من 40 عاما من توافر كتب الحمية الغذائية فإن نسبة البدانة في ازدياد، ومن المتوقع أن يصل عدد البدناء في بريطانيا وحدها حوالي 12 مليون بحلول العام القادم.
وهكذا، لا الحميات نجحت ولا عمليات الشفط أدت مفعولها، فيما ساعد الضغط الذي تمارسه المجلات البراقة وصناعة الموضة فقط في تعزيز مبيعات كتب الحمية الغذائية، والتي تبلغ قيمتها حوالي 2 مليار جنيه استرليني في بريطانيا وحدها.
فصناعة الحمية هي القوة الأساسية التي تغذي عقدة الذنب لدى كل النساء، والشعور بعدم الأمان، وهي القوة التي تقنعنا بالتضحية بالوقت والمشاركة في النوادي وشراء الأطعمة البديلة أو شراء أحدث كتب الحمية.
المشكلة أن بعض تلك المنتجات تنجح، كذلك الكتب والأطعمة الخاصة التي تبشر بنجاح برامج نقصان الوزن، لكن لبعض الوقت فقط، ولا تعالج المشكلة الحقيقية وهي افتقار النساء للثقة في أجسادهن وللمعلومات الأساسية المتعلقة بالتغذية.
وإذا استخدمنا نظرية المؤامرة هنا، فإنه ليس من مصلحة صناعة الحميات أن تصبح كل النساء نحيفات، لأنه إن وصلنا جميعا للمقاس 10 فمن الذي سوف يشتري منتجاتها؟
فكري .. تنحفي
من الأخبار الطريفة، التي يصعب تصديقها لسهولتها، أنه سيصبح بإمكاننا إنقاص أوزاننا بمجرد التفكير في الأمر، بمعنى انه ستتوفر قريبا تدريبات ذهنية تجعل الجسم يفرز هورمونات تؤدي إلى نمو العضلات وتنشيط عمليات التمثيل الغذائي.
وعوض عذاب الوقوف على الميزان كل صباح أو كل أسبوع، أو الانخراط في ناد رياضي، يمكن الانخراط في إحدى العيادات الذهنية، التي ستفتح إحداها أبوابها قريبا في هارلي ستريت.
وقد قارنت دراسة كندية بين مجموعة كانت تمارس الرياضة بانتظام وأخرى لم تكن تحصل على ما يكفي من التدريب ولكن أعضاءها كانوا يفكرون في ممارسة الرياضة ثلاث مرات في اليوم، وكانت النتيجة أن الأشخاص الذين لا يمارسون أي تمرينات تقريبا حققوا نفس النتائج التي حققتها المجموعة التي كانت تتدرب بانتظام.
كما أظهرت دراسة أخرى زيادة ضخمة تصل إلى (35%) في قوة عضلات الأشخاص الذين فكروا في التمرينات الرياضية لمدة 15 دقيقة يوميا على مدار خمسة أيام أسبوعيا لمدة 12 أسبوعا.