ما عاد التلقيح ضد الإنفلونزا إجراء صحيا وقائيا مشكوكا بأمره بعد عشرات الدراسات التي كشفت فاعليته في تجنيب الإنسان، وخصوصا الأطفال والمسنين، مخاطر المرض، لكن دراسات جديدة، قدمت إلى «المؤتمر الألماني الثالث حول الإنفلونزا» في إيرفورت (شرق) تثبت أن الجنين، والأم الحامل، ومن ثم الوليد الجديد، يستفيدون أكثر بكثير من مجرد الحصول على الوقاية اللازمة ضد المرض.
ومعروف أن المرأة الحامل أكثر عرضة من غيرها لمرض الإنفلونزا، خلال مواسم المرض، كما أنها والجنين أكثر عرضة من غيرهما للأعراض الخطيرة التي تؤدي إلى أمراض الجهاز التنفسي والحساسيات.
وتكشف إحصائية لدائرة الصحة الألمانية أن عدد النساء الحوامل اللاتي أدخلن إلى المستشفيات بسبب مضاعفات الإنفلونزا ارتفع في السنوات العشر الأخيرة بنسبة 20%.
وتبدو النسبة مثيرة للقلق في الولايات المتحدة لأن عدد الحوامل اللاتي نقلن إلى المستشفيات بسبب مضاعفات في القلب والرئتين، جراء الإصابة بالإنفلونزا، تضاعف 5 مرات خلال السنوات الأخيرة حسب تقرير قدمه البروفيسور أولريش هيننغر من عيادة الأطفال في جامعة باسل ـ سويسرا.
وترتفع هذه المخاطر أساسا في الثلثين الثاني والثالث من فترة الحمل، لذلك تسمح قوانين الولايات المتحدة بتلقيح الحامل طوال فترة الحمل، في حين يقترح هيننجر التلقيح مطلع الثلث الثاني من فترة الحمل.
وجاء في تقرير هيننغر أن أفضل وقت لتلقيح المرأة الحامل ضد الإنفلونزا هو بداية الثلث الثاني من فترة الحمل، وثبت من خلال الدراسة التي أجراها على الأطفال حديثي الولادة، الذين لقحت أمهاتهم خلال هذه الفترة، أن الأجسام المضادة التي كونتها أجساد الأمهات تسربت إلى أجسام الأجنة ومنحتهم لاحقا حصانة جيدة ضد الإنفلونزا.
وتعرض الأطفال إلى أقل ما يمكن من إصابات الإنفلونزا ومضاعفاتها خلال الأشهر الستة الأولى من حياتهم، وهي الفترة التي تعتبر الأخطر على حياة الأطفال بسبب فيروسات الإنفلونزا العدوانية.
واستخدم هيننجر في دراسته السريرية مجموعة مقارنة من الأطفال، لم تلقح أمهاتهم ضد الإنفلونزا، بهدف مقارنة النتائج مع مجموعة التلقيح، وأصيب 6 من أطفال مجموعة التلقيح، في الأشهر الستة الأولى من عمرهم، بالإنفلونزا، في حين أصيب 16 منهم في مجموعة المقارنة، وقاس الطبيب نسبة الحماية التي يوفرها التلقيح للأطفال حديثي الولادة بنسبة 63%.
وعلى صعيد الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي (مع حمى) كان عدد الإصابات بين مجموعة التلقيح 110 أطفال مقارنة بـ153 طفلا في مجموعة المقارنة، وهذا يعني أن تلقيح الأم قلص مضاعفات الإنفلونزا على الجهاز التنفسي للطفل بنسبة 29%.
وانخفض تعرض النساء الحوامل أنفسهن للإنفلونزا بنسبة 36% بفضل التلقيح مطلع الثلث الثاني من فترة الحمل.
ونصح الباحث في تقريره أمام 300 طبيب في إيرفورت بتلقيح النساء الحوامل، في حالة حصول الحمل في موسم الشتاء، في الثلث الثاني من الحمل، كما أوصى بتلقيح النساء اللاتي يعانين من الأمراض المزمنة مثل التهاب القصبات الهوائية المزمن وداء السكري والربو، إذ اتضح أن التلقيح يقلل نوبات المرض ويقلل حاجة الأم للأدوية أثناء الحمل.
إلى ذلك، جاء في دراسة أميركية، أجريت لصالح شركة التأمين الصحي «كايزرز»، وشملت معطيات عن 2.6 مليون أميركية، أن التلقيح ضد الإنفلونزا قلل مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة، أثناء فترة الحمل، خمس مرات، مقارنة بالنساء غير الحوامل.
وتشي الدراسة بضرورة تلقيح كل 20 ـ 30 امرأة حامل ضد الإنفلونزا بهدف تجنب الإصابة بالأمراض المزمنة المذكورة، في حين أن هناك ضرورة لتلقيح 500 امرأة غير حامل بهدف التوصل إلى النتائج نفسها.
وعرض هيننجر نتائج دراسة أخرى أجريت في بنغلاديش على النساء الحوامل، وتثبت فائدة التلقيح ضد الإنفلونزا في تحصين حديثي الولادة ضد المرض، وتم في الدراسة تلقيح 340 امرأة حامل ضد الإنفلونزا أو ضد التهاب الرئة (كمجموعة مقارنة).
وتولى الأطباء متابعة ظهور أعراض الإنفلونزا والتهاب المجاري التنفسية عن النساء والأطفال بعد 24 أسبوعا من التلقيح، فاتضح أن اللقاح قلل نسبة الإصابة بالإنفلونزا بنسبة الثلثين، في حين أن التلقيح ضد التهاب الرئتين لم ينفع الأمهات وحديثي الولادة كثيرا.
مع ملاحظة أن بنجلاديش بلد استوائي ولا يظهر فيه مرض الإنفلونزا وأمراض الجهاز التنفسي في مواسم، وإنما يمتد خطر الإصابة طوال السنة.