تكتسب مرحلة ما قبل المدرسة أهميتها لكونها فترة تكوين حاسمة في حياة الإنسان، فالنحو العقلي في هذه المرحلة يكون في منتهى السرعة، وهذا ما أكده العالم النفسي >بلوم< أن 50% من النمو العقلي للطفل يتم فيما بين الميلاد والعام الرابع من عمره، 30% من النمو العقلي يتم فيما بين العام الرابع والثامن من حياة الطفل·
1 ـ التفكير: التفكير عملية عقلية عليا يستطيع الفرد عن طريقها أن يحل مشكلة معنية في موقف ما ليصل إلى هدف محدد، ويعتمد التفكير على عمليتي الاستقراء >أي استنتاج الكليات من الجزئيات< والاستنباط >أي استنتاج الجزئيات من الكليات<·
ويتسم التفكير في هذه المرحلة العمرية بأنه ذاتياً ويدور حول نفسه، وينزع في هذه المرحلة إلى التفكير الرمزي >بين 3 إلى 4 سنوات< ثم التفكير التخميني الذي يبدأ في التعبير عن نفسه في العام الرابع ويستمر حتى نهاية العام السادس أو الثامن·
ومرحلة التفكير الرمزي يعني بها المرحلة التي يعبِّر الطفل أثناءها عمَّا يطلق عليه >الشكل اللفظي للذكاء<، حيث تكون الكلمات فيها عبارة عن أصوات تشير إلى واقع ملموس حتى لو لم تكن الكلمات تعبِّر عنه تعبيراً صادقاً، إذ إنه الواقع الوحيد الذي يملكه الطفل >الواقع الأسمى<·
فالطفل في هذه المرحلة لم يكتسب بعد المحصول اللغوي الكامن الذي يجعله يفكر تفكيراً معنوياً منصباً على كليات، ولكن عملياته العقلية تعنى عناية خاصة بمشاعره وتخيلاته· واستخدام الطفل للرموز تمكِّنه من الاستفادة أكثر من خبراته السابقة وهو هنا يستطيع التعامل عقلياً مع أشياء سبق تعامله معها حسياً وجسمياً، إذ إن >بياجيه< يرى أن الرموز تشتق من عملية تقليد ذهني وأنها تتضمن صوراً بصرية وكذلك أحاسيس جسمية، ولأن الرموز تؤسس على ما لدى كل طفل من خبرات سابقة، فإنها تختلف من طفل إلى آخر، فقد يرمز الطفل لصوت صادر من عجلة سيارة بكلمة هي رمز مشتق من خبرة سابقة··· فقد يكون هذا الصوت طنين نحلة عند طفل، وقد يكون دوران ناعورة عند طفل آخر·
أما فيما يتعلق بالتفكير الإدراكي أو التخميني فإننا نجد أنفسنا أمام موقف له أهميته للتفكير الملموس حيث تبدأ المعاني في ترتيب نفسها وعلاقاتها بعضها ببعض داخل أطر متناسقة، ومع هذا فيجب ألا ننسى أن هذه المعاني ذات طابع عملي، وأن تماسكها يتأتى من توظيف العلاقة بين العناصر المكتسبة وإدراك كنهها·
ويتسم تفكير الطفل في هذه المرحلة بعدم قدرته على التفكير في أكثر من شيء واحد في الوقت نفسه، وتؤثر عدم قدرته هذه على منطق تفكيره·
ويقول >بياجيه<: إن الطفل في هذه المرحلة لا يزال غير قادر على إصدار أحكام أو التعبير عن شيء بعيداً عمَّا اكتسبه أو أدركه في الواقع، ومثال ذلك أن الأشياء التي يراها مكومة أمامه على منضده تكون في مخيلته أقل حجماً من الكمية عينها من الأشياء التي يراها مرة أخرى ولكنها مبعثرة على مساحة أكبر من مسطح المنضدة·
2 ـ التخيل التخيل هو عملية عقلية تقوم على إنشاء علاقات جديدة بين الخبرات العملية بحيث تنظمها في صور وأشكال جديدة ليس للفرد خبرة بها من قبل·
ويظهر التخيل بوضوح عند طفل المرحلة المبكرة، فنجد الطفل يخلق أفكاراً وحكايات جديدة، ويكون خياله قريباً من أحداث حياته لدرجة تصل إلى الخلط بينه وبين الواقع·
ويعبِّر الطفل عن تخيلاته في أثناء لعبه أو في أحلامه، ويستمد عناصر خيالاته إما من موضوعات منزلية أو من نشاطه الذي يرتبط بمشاهداته أو بحياته الخاصة وما يراه من أشخاص يؤدون أعمالاً معينة في خدمة المجتمع كرجل البوليس، أو ساعي البريد·
والطفل في هذه المرحلة يضفي على بيئته ألواناً سحرية غريبة تساير في جوهرها مظاهر نموه وآماله وأحلامه وهو يحب في طفولته المغامرات والمخاطرات، فإن لم يجد لها إشباعاً في بيئته فإنه يمضي ليشبعها في أحلام يقظته وضروب خياله المختلفة·
وقامت أبحاث عدة تناولت أحلام الأطفال ورغباتهم وذلك لدراسة المحتويات أوالعناصر التي يتكون منها خيال الأطفال في سن ما قبل المدرسة، ومن هذه الأبحاث، بحث قام به >ماركس<، دلَّ على أن متوسط ما يقوم به الطفل في سن الـ>20 شهراً< من مواقف خيالية هو بمعدل ستة مواقف ونصف الموقف في كل مئة وخمسين دقيقة، وفي سن الثالثة والنصف تزداد هذه المواقف فتبلغ ستة وعشرين موقفاً خيالياً في مثل المدة المذكورة آنفاً، وهنا تظهر زيادة كبيرة وسريعة تمهد لظهور >اللعب الإيهامي<، الذي يبرز في سن ما قبل المدرسة·
ويحصر >بياجيه< النشاط التخيلي للطفل في هذه المرحلة في خمسة أشكال هي: التقليد في غير وجود نموذج، استحضار الصور الذهنية للأشياء في حال غيابها، الرسم التخيلي، اللعب الإيهامي، واللغة·
وثمة ظاهرة عقلية يندر وجودها إلا في حياة الأطفال الصغار، تلك هي ظاهرة >الصور المثلية<، إذ بوسع الطفل أحياناً أن يتمثل صوراً هي من الوضوح بمكان بحيث لا تختلف عن صورة المدرك الحسي، فيذكر مثلاً أنه يرى رجلاً ما في حين أنه يتخيل فحسب·
3 ـ التذكر التذكر هو العملية العقلية التي يستطيع بها الفرد استرجاع الصور الذهنية والبصرية والسمعية أو غيرها من الصور الأخرى التي مرت في الماضي أو الحاضر، ومن ثم تعتبر عملية التذكر ارتباطية لأنها تربط الماضي بالحاضر·
والتذكر من العمليات العقلية التي يقوم بها الطفل في سن مبكرة، فهو عندما يبلغ من العمر سنة تقريباً يقوم ببعض الاستجابات التي تدل على أنه يتذكر ما مرَّ به من خبرات ربما تكون قد انقضت عليها أسابيع عدة·
وبتقدم العمر يزداد التذكر المباشر عند أطفال هذه المرحلة، فلدى أطفال هذه المرحلة قدرة هائلة على تخزين الأشكال العامة، ففي دراسة علمية عرضت على مجموعة من الأطفال في سن الرابعة ستون صورة على مدى يوم واحد بمعدل زمني مدته ثانيتين فقط للصورة الواحدة، وفي اليوم التالي طلب إليهم استخراج الستين صورة من بين مئة وعشرين، وكانت النتيجة أن الطفل المتوسط أجاب إجابات صحيحة في 80% من الحالات·
وتشير دراسة أخرى أجريت على الأطفال من (5 ـ 6) سنوات إلى قدرة أطفال هذه المرحلة على تذكر كل من الألفاظ والحركات والصور والمعاني، كما أن تذكر الطفل للعبارات والكلمات المفهومة يكون أيسر من الكلمات والعبارات الغامضة، كذلك يستطيع الطفل تذكر الأجزاء الناقصة من الصورة·
إلا أن التذكر كعملية عقلية يتأثر بنمو اللغة لدى طفل المرحلة المبكرة، فكلما زادت مفردات الطفل ونمت لغته وزادت معلوماته كلما نمى تذكُّره·
.... منتدي كلية رياض الأطفال.. جامعة الإسكندرية 
بالمنتدي 
جهاد القاضي
الثلاثاء نوفمبر 11, 2008 4:29 pm
