بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(إن الذين ينظرون إلى الوقت بعين الاهتمام هم الذين يحققون إنجازات كثيرة في حياتهم الشخصية والمهنية، وهم الذين يعلمون أن الوقت قليل لتحقيق ما يريدون، وعلى العكس من ذلك؛ فإن المرء الذي لا يهتم كثيرًا بالإنجازات ينظر إلى الوقت على أنه ذو قيمة قليلة) [إدارة الوقت، نادر أحمد أبو شيخة].
عزيزي المربي
ها قد مضى النصف الأول من العام الدراسي، وجاءت إجازة نصف العام التي انتظرناها جميعًا، بعد عمل دءوب وجهد شاق، وآن الأوان اليوم لتفريغ الطاقات واستغلال الأوقات، وأن لا تمر الإجازة إلا وقد استثمرناها فيما يفيدنا وينفعنا نحن وأبنائنا.
إن الوقت أهم ما يحرص عليه المؤمن، ويهتم به كل عاقل، فما أجمل أن نغتنم وقت الإجازة؛ استجابة لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم ((اغتنم خمسًا قبل خمس؛ حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك)) [صححه الألباني في صحيح الجامع].
ولكن كيف نستغل هذا الوقت، وكيف نحقق أكبر فائدة ممكنة من إجازة نصف العام؟
الخطة المحكمة الطموحة الواقعية هي السبيل للنجاح ولكن!
لكي نستغل هذه الإجازة الاستغلال الأمثل بإذن الله فعلينا أولًا أن نضع خطة عملية واقعية لاستغلاها، ذلك لأننا إذا فشلنا في التخطيط فقد خططنا للفشل كما هي الحكمة الشهيرة، وكما قال ستيفن برينان (يمكننا الوصول إلى أهدافنا فقط من خلال خطة نعتنقها بشدة، ونعمل على تنفيذها بقوة، ليس هناك طريق آخر إلى النجاح).
ولكن عند وضع الخطة تواجهنا مشكلة كبيرة؛ ألا وهي انشغال الأب في العمل، أو الأب والأم معًا إذا كانت هي الأخرى في معترك العمل، ولذلك إذا أردنا أن ننفذ أي خطة لاستغلال الإجازة فعلينا أولًا أن نعلم أنه علينا جميعًا التضحية، سيضحي الأب من جانب، والأم من جانب آخر، لتتحقق الفائدة للأسرة بأكملها بإذن الله تعالى.
الهدف: الترابط الأسري يقود إلى السعادة الأسرية وإرضاء الله ما أسهل أيها المربي الفاضل أن نضعَ الخطط والبرامج، وأن نعِدَ بإنجاز الأعمال، ولكن قليل منا من يعمل وينفذ، وذلك لعدم وضوح الهدف وضعف الإيمان به، الأمر الذي أدى بالتالي لضعف الهمة وقلة العزيمة، ولذلك لابد أن يكون الهدف واضحًا لدينا ونحن ننفذ الخطة، ولابد أن يكون إيماننا به قويًا.
إن الهدف الذي نسعى لتحقيقه هو الترابط الأسري، الذي هو بذرة السعادة الأسرية والاستقرار الأسري، نحققه في حياتنا كلها عامة، ونستثمر الإجازة لتقويته ودعمه بشكل خاص.
لابد أن نؤمن إيمانًا جازمًا أن أي خطة تسعى لتحقيق السعادة الأسرية والوئام الأسري هي طاعة لله ومرضاة له، ننال بها الأجر والثواب من جانب، ونحافظ بها على الصحة النفسية لنا ولأولادنا من جانب آخر، وليست تضييعًا للأوقات، وإنما هي أغلى استثمار في تلك الأسرة المسلمة؛ أسرتكم التي هي لبنة ثابتة في بناء الإسلام العظيم، وبقوتها يقوى الإسلام، وبضعفها وهزالتها يضعُف الإسلام، والترابط الأسري هو سر قوتها بإذن الله تعالى.
قال صلى الله عليه وسلم ((ما أطعمت نفسك؛ فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك؛ فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجك؛ فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك؛ فهو لك صدقة)) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة]، وقال أيضًا ((إن الله سائل كلُ راعٍ عما استرعاه؛ أحفِظ ذلك أم ضيع؟ حتى يسألَ الرجلَ عن أهل بيته)) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة]، كما قال ((إذا أعطى الله أحدكم خيرًا فليبدأ بنفسه وأهل بيته)) [رواه مسلم].
ما أحوج أبنائك لهذا الدفء الأسري عن عبد الله بن جعفر قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته، وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه، فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفَه خلفه)، قال (فأُدخِلنا المدينة ثلاثة على دابة) [رواه مسلم].
فيا له من دفء هذا الذي عاشه الأطفال في حضن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أحوج أبنائنا ـ وقد مضى نصف عام، كانت الأسرة فيها مفترقة في أغلب أحوالها ـ أن يجدوا حضنًا دافئًا يحتويهم بعد هذا التفرق والتشتت.
يقول التربَويُّون (يؤثر المناخ الأسري على شخصية الأبناء وصحتهم النفسية، فقد أوضحت دراسة موسن "mussen" أثر المناخ الأسري المتمثل في طابع علاقة الوالدين بالأبناء؛ في أن الأبناء الذين لم يحصلوا على عطف أبوي بدرجة كافية كانوا أقل أمنًا وأقل ثقة بالنفس وأقل توافقًا في علاقاتهم الاجتماعية مع الآخرين، كما أكدت (دراسة محمود عبد القادر) أثر الدفء العاطفي والانسجام الأسري على شخصية الطفل، فقد وجدت علاقة ارتباطية دالة بين تقبل الآباء لأبنائهم والانسجام الأسري، فقد كان الأبناء الذين يعيشون في أسر يسودها الدفء العاطفي والتوافق الأسري أكثر تقبلًا لذواتهم، وأكثر تحررًا من عوامل القلق، كما أنهم أكثر شعورًا بالرضا) [سيكولوجية العلاقات الأسرية].
البرنامج المقترحلقد وضعنا هذا البرنامج ليكون طموحًا وواقعيًا في الوقت ذاته، ذلك لأن ما لا يُدرَك جُلُّه لايُترك كله، ولأن القليلَ الدائم خيرٌ من الكثيرِ المنقطع، فهو برنامج صغير في حجمه ولكنه كبير في مضمونه وأثره بإذن الله تعالى، ولكن المهم أن نستمر عليه، ونجعله عادة نكتسبها في فترة الإجازة، ثم يكون سلوكًا دائمًا فيما بعد.
الهدف: تقوية الترابط الأسري من خلال إجازة نصف العام؛ بتطبيق هذا البرنامج في إجازة نصف العام، ثم الاتفاق على حد أدنى نلتزم به وقت الدراسة.
كيفية تطبيق البرنامج
يتم تطبيق البرنامج بإذن الله من خلال ثلاث وسائل رئيسية:
1. جلسة نسميها (جلسة زاد الأسرة)، مدتها ساعة واحدة فقط.
2. نزهة يومية لا تزيد عن ساعة.
3. نزهة أسبوعية لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات (يوم العطلة).
محاور جلسة زاد الأسرة
1. المحور الإيماني: ويتمثل في طاعة يومية يتم الإتفاق عليها في جلسة زاد الأسرة (مثال: الاستغفار مائة مرة، أو صلاة ركعتين، أو صيام، أو صدقة).
2. المحور الشرعي والثقافي:
أ- القرآن الكريم (الزمن 20 دقيقة)
نقرأ كل يوم صفحة واحدة من كتاب الله تعالى، وليكن من جزء عم أو تبارك أو ما تيسر، يقرأ الأب ثم الأم ثم الأولاد، وإن كانوا صغارًا فيكفي الاستماع، وإن كان مستوى التجويد غير قوي فيحسن أن تستمع الأسرة جميعها لقراءة أحد القراء لهذه الصفحة، ثم يقوم الأب أو الأم بقراءة تفسير هذه الصفحة من أحد الكتب المختصرة، ثم التواصي على حفظها وتسميعها في اليوم التالي.
ب- الحديث الشريف (الزمن 10 دقائق)
أيضًا نقرأ كل يوم حديثًا واحدًا؛ يقرؤه الأب ثم الأم ثم الأولاد، ثم يقوم الأب بشرح الحديث شرحًا مبسطًا من أحد الكتب المختصرة، ثم نتواصى على حفظه.
ت- المسابقات الثقافية (10 دقائق)
يقوم الأب أو الأم بإعداد مسابقة دينية وثقافية تحتوي على 5-10 أسئلة، ويتم توزيع جوائز رمزية على الفائزين.
3. المحور الترفيهي: الفترة المتبقية من جلسة زاد الأسرة (20 دقيقة) هي فترة مفتوحة، يتناول فيها أفراد الأسرة وجبة ساخنة أو حلوى تقوم الأم بإعدادها، مع مشاهدة برنامج نافع أو فيلم كارتون، أو اللعب بألعاب ترفيهية على الكمبيوتر.
ولانريد أن نثقِل على أبنائنا في فترة الإجازة فنأمرهم بالمذاكرة كثيرًا، بل نحاول أن نجعل هذه الإجازة فترة للترفيه والاستجمام، واعلم أخي المربي أن (المادة الترفيهية لا تخلوا مما هو ثقافي، بل ربما تكون المادة الترفيهية أكثر في غناها التربوي والثقافي من مادة يقال أنها "مادة تربوية أو ثقافية خالصة") [ثقافة الأطفال، د.هادي نعمان الهيتي].
وبعد الإجازة وعد باللقاءوبعد أن تنتهي الإجازة ـ عزيزي المربي ـ سنتفق على أن تحافظ على موعد أسبوعي مع أسرتك تكون فيه جلسة زاد الأسرة أطول في وقتها لتعويض الأسبوع كله، ثم نزهة أسبوعية تجتمع فيها الأسرة للترفيه والاستجمام.
وختامًا ـ عزيزي المربي ـ أبشرك بأن جلسة زاد الأسرة بدأت بالفعل في بيتي، وكان لها أعظم الأثر على زوجتي وأولادي، ولم نشعر أنها كانت صعبة للدرجة التي يتصورها البعض، وكانت لها فائدة إيمانية وثقافية وشرعية ونفسية كبيرة، وأدت بالفعل إلى الشعور من قبل جميع أفراد الأسرة بالدفء الأسري والوئام والترابط، فهيا عزيزي المربي لتنطلق، فالطريق أمامك مفروش بالورود والرياحين.
والله الموفق والسلام عليكم
المرجع:
www.islammemo.c